أخرهم Despacito وأولهم ليون سكوت.. كيف غيرت الأسطوانات مجرى الموسيقى !

نص خبر

لفت نجاح أغنية Despacito ديفيد بارنيت، المحرر الفني لدى صحيفةindependent  البريطانية، فألقى في مقال نشره أخيراً عن الأغنية الظاهرة، الضوء على كيفية تغيُّر تاريخ الموسيقى ، وكيف صارت الأغنية ذات الكلمات الإسبانية وذات الوقع المميز، بين عشية وضحاها التسجيل الأكثر مشاهدة عبر الإنترنت على كوكب الأرض.

فهذه الأغنية Despacito التي أداها لويس فونسي ودادي يانكي، بالإضافة إلى جاستن بيبر، شوهدت عبر الإنترنت 4.3 مليار مرة، 93 مليون مرة منها في المملكة المتحدة.وبحسب صحيفة Un Nuevo Dia، فإن نسبة اهتمام السياح ببورتوريكو زادت بنسبة 45% منذ أن انتشرت الأغنية  عالمياً، ويعود الفضل إلى المشاهد والمعالم السياحية الطبيعية المميزة التي ظهرت في كليب الأغنية.

بداية القصة

يقول ديفيد بارنيت: لقد تغيُّر تاريخ الموسيقى منذ أول أسطوانة مسجلة صدرت عام 1860، نشرها إدوارد ليون سكوت دو مارتينفيل، وكانت تسجيلاً لامرأة تغني الأغنية الفرنسية الشعبية القديمة “تحت ضوء القمر”.

والآن، يفصل هذه التجربة الرائدة عن Despacito، على الأقل، أكثر من 150 عاماً.

وذكر بارنيت في مقاله، أنه قبل “تحت ضوء القمر” كان لا بد من سماع الموسيقى مباشرة، إما في قاعات الحفلات الموسيقية وإما بالحانات، وإما ربما في غرف الأوركسترا أو كوخ للشرب على البحر، مقارِناً ذلك بـ”ديسباسيتو”، التي قال إنها حصلت على ” 4.3 مليار مشاهدة عبر الإنترنت، وكانت فورية ومباشرة مثل التقليد الشفهي للموسيقى، تشتغل مرة واحدة ثم تضيع مع الوقت، كالدموع تحت المطر”، على حد تعبيره.

فكرة مرعبة

 

وتحدث الكاتب في مقاله أيضاً، عن فكرة “مرعبة” كثيراً ما تراوده وهو يستمع إلى الموسيقى من موقع Spotify أو يوتيوب أو Apple Music؛ بأن يتوقف كل هذا إذا ما قامت جهةٌ ما مثل “داعش أو الفضائيين، أو إصبع دونالد ترامب الذي يحوم دون تفكير حول بعض الأزرار الحمراء- بإيقاف الإنترنت، فلن يتمتع معظم سكان الأرض بالموسيقى”.

Cd GIF - Find & Share on GIPHY

وقال إن الفكرة راودته بعد قراءة مقالة في صحيفة NY Times الأميركية، نقل فيه الكاتب أنسل إلغورت تفاصيل رحلة قام بها مجموعة من أصدقاء الألفية في جميع أنحاء المكسيك، ووجدوا أنفسهم بعيداً عن إشارة الهاتف الجوال، وبدأت خدمة إمدادهم بالموسيقى عبر الإنترنت تتوقف ببطء، فأنقذهم أحد الأفراد عبر مدهم بآيبود قديم، مليء بالموسيقى، التي أنقذت الرحلة، على الأقل حتى تتصل هواتفهم بالإشارة مرة أخرى.

وأكد أن ما أظهرته مقالة إلغورت، هو أن الجيل الذي كان يسمع الموسيقى مباشرة بدأ يحنُّ إلى مشغلات MP3. بالطريقة نفسها، بدأت الأجيال القديمة تنظر إلى أيام الأسطوانات بنظرة ضبابية متحسرة.

وفي الواقع، فإن نيويوركر كونور غريسيت، البالغ من العمر 21 عاماً، وهو الشاب الذي كان معه الآيبود في طريق الرحلة، يستخدمه كثيراً.

وقد يبدو هذا الكلام غريباً على جيل لم يعرف سوى الموسيقى عبر الإنترنت، فمن وُلد قبل جيل الألفينات وطفرة المواليد التي حدثت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، فسيكون لديه ذكريات جميلة مماثلة مع الأسطوانات، وربما حتى الأقراص المدمجة.

Music GIF - Find & Share on GIPHY

 

شريط الكاسيت


ومضى بارنيت سارداً ما قد يبدو غريباً على جيل وُلد بعد عام 2000، قائلاً إنه وبغض النظر عن الراديو كانت هناك طريقة واحدة فقط للاستماع إلى ألبوم، كان على قرص أسود بحجم 12 بوصة، “أوه! يمكنك أن تسمعه من الألبومات وحتى على شريط كاسيت، بالطبع، ولكن من سيفعل ذلك الآن؟”.

وقال: “أخبَرونا آنذاك بأن تسجيل الموسيقى في المنزل يقتل الموسيقى، لكننا كنا نفعلها على أية حال، ولم تمُت الموسيقى، ثم كيف بإمكانك أن تأخذ موسيقاك معك إلى السيارة؟ لم يكن بإمكانك وضع المسجل على المقعد الخلفي للسيارة، كان الألبوم يَسَعُ بالكاد جانباً واحداً من شرائط الكاسيت C90”.

وتابع: “ثم كانت هناك متعة الشرائط المختلطة. الأغاني المفردة ومقاطع من الألبومات والأغاني النادرة إلى جانب كل الأشياء التي تم تجميعها بحبٍّ وبصعوبة؛ لتشكيل تجربة استماع فريدة أو إعطائها لشخص من الجنس الآخر- جذب انتباهك في أحد مراسم التزاوج في السبعينات والثمانينات لإظهار ذوقك الرائع مثل طاوس يتباهى بريش ذيله الجميل”.

وأوضح أنه لم يتخيل أحد تغيُّر الموقف حتى تم اختراع الأسطوانات المدمجة، وفي منتصف الثمانينات “أتذكر أول مشغل إسطوانات أمتلكه، كان من النوعية التي أطلقنا عليها بانبهار (مفجر الغيتو)، شيء أسود صغير صُمم خصيصاً للاستماع للهيب هوب بينما تقوم بأداء رقصات البريك دانس على ناصية الشارع في ديترويت. استخدمته للاستماع لأول أسطوانة مدمجة حصلت عليها (Guns ’n’ Roses)”.

ثم عاد الكاتب بذاكرته مشاركاً القراء تجربة “أول غزوة على أرض الموسيقى الرقمية” والتي قال إنها تأخرت حتى عام 2001 أو 2002؛ عندما اشترت له زوجته آيبود الجيل الثاني، واصفاً إياه بـ”السحر”؛ إذ بدا له كمساحة لا محدودة من الموسيقى التي جعلت من شرائط الموسيقى شيئاً من الماضي، “كان بإمكاني الحصول على قائمة جديدة من الموسيقى كل مرة أشغل فيها هذا الجهاز. كان بالنسبة لي جنة موسيقية في صندوق أبيض”.

 

حنين أم اندثار للصيغ القديمة

 

ويشرح بارنيت مشكلة التطور في الاستماع للموسيقى، ووصفها بأنها تنبع من عدم امتلاك الوقت أو الإحساس بالرثاء تجاه وفاة الصيغ القديمة؛ لأن الإنسان العصري أصبح أسير حُمّى التقدم التكنولوجي، قائلاً: “ألقيت بجهاز الفينيل الخاص بي فور حصولي على مشغل الأسطوانات الرقمية الجديد، عندما اشتريت الآيبود بدت أسطواناتي قديمة وشيئاً من القرن العشرين”.

وبحسب بارنيت، يبدو أن أي تقدم في التكنولوجيا يستهلك مداه، ثم يُشعرنا بالنوستالجيا (الحنين) نحو هذا الماضي المتلاشي، “عندما احتلت الأسطوانات الرقمية مكانها على الساحة أصبح الناس يشعرون بالحنين لفينيل (الأسطوانة) وكل تلك الجودات التي جعلته أثراً من الماضي. وشوشة الإبرة وهي تسير على الأخاديد المحفورة، الحاجة لقلبها يدوياً، الأكمام الكبيرة المرهَقة أصبحت فجأةً شيئاً نتذكره بامتنان، ادخل إلى منزل أي شخص قضى عشرينات عمره في عقد التسعينات فسترى أرففاً وأرففاً من الأسطوانات الرقمية، ربما في مكان صُمم خصيصاً لهذا الأمر اشتراه من أيكيا. والآن يشعر الشباب بالشعور نفسه تجاه الآيبود والـMP3”.

وأرجع ذلك الحنين إلى أن هذه الصيغ “تمثل ملكية الموسيقى بدلاً من المشاهدة على الإنترنت التي لا تمثل سوى تجربة لحظية، إذا امتصت صيغة mp3 روح تجميع الموسيقى، تركت لنا على الأقل القدرة على امتلاك الملف الرقمي. الآن، الموسيقى هي ملكك بالكامل للمدة التي تستغرقها للاستماع إليها”.

ويقول: “بغض النظر أو ربما بسبب أغنية ديسباسيتو وعدد مشاهداتها الذي بلغ 4.3 مليار مشاهدة، فإن طريقتنا الحالية للاستماع للموسيقى أصبحت قاصرة”.

ويضيف: “عموماً، لا نتخيل أي طريقة أخرى لاستهلاك الموسيقى غير تلك التي نمارسها الآن، لكن أحداً ما في مكان ما يعمل على هذا الأمر”.

موسيقى المستقبل؟

فضول بارنيت حول تطور الاستماع للموسيقى، دفعه للبحث في جوجل عن “كيف سنستمع للموسيقى في المستقبل”، فحصل على جميع أنواع النتائج أثارت اهتمامه تحديدًا تقنية “ساب باك”.

فهي في حقيقتها عبارة عن سترة مُركَّب بها سماعات تمكِّن الشخص، ليس فقط من الاستماع للموسيقى؛ بل والشعور بها كذلك؛ إذ تنقل “ساب باك” الترددات المنخفضة مباشرة إلى جسم المستمع فتمنحه تجربة موسيقية جديدة يخوضها عبر جسده، فيشعر بغنى النوتات الموسيقية براحة في أي مكان.

وختم بارنيت قائلاً: “بالفعل، بفضل التقدم التكنولوجي في مجال سماعات الأذن لم نتخلص من إزعاج الآخرين في أثناء استماعنا للموسيقى فقط؛ بل لم نعد في حاجة للذهاب إلى النوادي أو الحفلات الموسيقية .

لا أحد يعلم كيف كان سيفكر إدوراد ليون سكوت دي مارتن فيل في كل هذا عندما صنع أول تسجيل موسيقي. لن نعرف أبداً، لكن بإمكاننا أن نستمع لأول تسجيل صنعه في 1860 لأغنية (على ضوء القمر) على موقع يوتيوب. التسجيل الحقيقي”.—هاف بوست عربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.