الجديد في طب التوليد لحماية المواليد من خطر نقص الأكسجين في الدم

 

د.أكرام أبو المجد – أخصائية النساء والولادة بالحمادي.

نقص الأكسجين لدى الجنين أثناء الولادة يعتبر واحدة من أهم أسباب أعاقة الجهاز العصبي مما قد يتسبب في الإعاقة الدائمة للطفل التي إذا نتجت عن عدم تقيم الطبيب المشرف على الولادة لحالة الجنين تقيما ً صحيحا ً و اتخاذه القرار السليم في الوقت المناسب يعتبر إدانة له و لذلك يتضمن علم الولادة المعاصر استخدام جهاز جديد يتم بواسطته التقييم الدقيق والموضوعي لتشخيص نقص الأكسجين للأجنة أثناء الولادة .
و قد توصل العلماء خلال فترات زمنية لثلاثة أعمدة رئيسية بهذا الخصوص .

أولا ً : ما يعرف بتخطيط الجنين الـ (CTG)
ثانيا ً : جهاز قياس الأكسجين في دم الجنين (Fetal Pulse Oximetry FPO)
ثالثا ً : تقيم ما يعرف ب (st- segment –”STAN”) عن طريق تخطيط قلب الجنين (ECG)
و هذا هو محور حديثنا ً – و هذه الطريقة هي الأدق لتوقع و تشخيص نقص الأكسجين لدى الأجنة و ترجمة لما قد يحدث من زيادة حمضية الدم التي تهدد حياة الطفل أثناء الولادة و تتسبب في أتلاف أعضائه الحيوية . و كذلك شدة حساسية عضلة القلب و استجابتها لهرمون الأدرينالين و عنصر البوتاسيوم الناتجين عن نقص الأكسجين و ما قد يصحب ذلك من تغيرات مرضية
* جهاز ستان ) analyser Stan ( :
و يترجم هذا الجهاز صورة نقص الأكسجين بعدة صور :
1- التغير في تخطيط قلب الجنينECG
2- ارتفاع الموجة T
3- ارتفاع النسبة بين T wave QRS segment
4- ارتفاع ثم انخفاض (biophsicity) ST- interval : وهذه تشير إلى الحالة الخطيرة للجنين داخل الرحم حيث يصاحبها زيادة في حمضية الدم و مالها من تأثير سلبي على الجنين بل و خطير أذا ارتفعت بنسبة معينة .
و بناءا ً على ذلك يعتبر الترقب الإلكتروني لحالة الجنين أثناء الولادة واحدا ً من أهم أسياسيات علم الولادة الحديث و بدون شك هو أهم وسيلة تستخدم لتقليل نسبة وفيات المواليد و حديثي الولادة و عدم أصابتهم بالإعاقات الذهنية والعصبية.

* نبذة تاريخيه :
منذ 130 عام اكتشف ما يعرف بسماعة بينارد لتقيم نبض الجنين و قياس معدل ضربات القلب – و هي عبارة عن آلة قمعية الشكل من خشب أو معدن لها فتحتين توضع بين أذن الطبيب و جدار بطن السيدة الحامل – استمرت طيلة كل هذه السنوات و لكن كانت فائدتها محدودة حيث تعطي معلومة واحدة فقط من حيث معدل نبض قلب الجنين بدون تفصيل لحالته .

* في عام 1960م اكتشف بما يعرف بتخطيط الجنين (Cardiotocography) و يتميز كونه وسيلة قادرة على تشخيص نقص الأكسجين لدى الأجنة و التعرف عليه لكن بدون تحديد درجة و حِدة هذا النقص.

* في السنوات العشر الأخيرة تم التوصل إلى ابتكار طرق جديدة لديها الخاصية التفصيلية لما ينتج عن نقص الأكسجين و ترجمة ذلك إلى أشارات دقيقة تفيد في اتخاذ القرارات الصحيحة و السليمة في فن علم التوليد – منها ما يسمى بجهاز قياس الأكسجين لدى الجنين (FPO) – و أخيرا ً تحليل ال ST- Segment و هو ما يعرف ب STAN و يعني تحليل أو شرح لتخطيط قلب الجنين ECG وما يحدث به من تغيرات للجنين و نقص الأكسجين بواسطة جهاز STAN21 OR 31

* هناك حقائق علمية هامة وحيوية يجب الإلمام بها لمعرفة كيفية عمل الجهاز و كيفية الاستفادة منه .
وعلى ذلك توجد خطوات أو مراحل ثلاث لكيفية نقص الأكسجين لدى الأجنة عند الولادة و مدى تأثيرها و استجابة الجنين و مدى مقاومته لها .
المرحلة الأولى : النقص المبدئي للأكسجين بالدم . تتميز بنقص في تشبع الدم الشرياني بالأكسجين عن المعدل الطبيعي و لكن مازالت الخلايا والأعضاء بعيدة عن التأثير سلبيا ً إذ انه حين ينقص الأكسجين في الدم تنشط مؤثرات كيماوية في أوعية الدم الكبيرة و تكون أعراض هذه الظاهرة عند البالغين بزيادة معدل التنفس ، سرعة سريان الدورة الدموية و زيادة عدد كريات الدم الحمراء ، لكن يتفاعل معها الجنين باستهلاك المزيد من الأكسجين المتاح و معها تقل حيوية الجنين و نشاطه – حركة التنفس لديه و كذلك حركة أطرافه . و أذا حدث ذلك بفترة قبل موعد الولادة وظل هناك نقص بالأكسجين يحدث نقص بنمو الجنين و يستطيع التعايش مع هذا الحال لمدة أيام أو أسابيع و لكن أذا تطورت بصورة حادة – يصبح الجنين مهددا ً بالخطورة – و أثناء الولادة لا يستطيع التحمل و يتعرض لنقص حاد بالأكسجين و هو ما يعرف بال (Hypoxia) و هذه هي المرحلة الثانية : و ما يميزها أن الخطوط الدفاعية لدى أجهزة الجنين تضعف و بالتالي تتأثر الأنسجة الطرفية بنقص الأكسجين و تفرز مواد الأدرينالين و الايبتقرين و كذلك النور أدرينالين من الغدة الكظرية أي الفوق كلوية للجنين مما يتسبب في نقص الدورة الدموية الواصلة إلى الأعضاء الحيوية وهي القلب و الكبد – و هذا يحدث ما يسمى التمثيل اللاهوائي أو الاختزالي في الأنسجة الطرفية و تزيد الدورة الدموية بثلاث أو خمس أضعاف و تنشط مادة الأدرينالين حوافز معينة (Beta Receptor) على جدار الخلية تساعد على إفراز أنزيم الـ (Cyclic AMP) و بالتبعية أنزيم (.phosphory lase) وهذه الأنزيمات تحول الجلوكوجين إلى جلوكوز و هذه ما تسمى بالتمثيل الهوائي و في هذه المرحلة إذا تم ولادة الجنين خلال ساعات قليلة يمكن إنقاذه بدون مضاعفات و لكن أذا لم يحدث تكون هناك خطورة بالغة و تنتقل إلى المرحلة الخطيرة والثالثة و هي مرحلة الاختناق (Asphyxia) حيث أن هذه المرحلة يتضمنها خطورة فشل الأعضاء الحيوية و يكون فيها تفاعل الجنين بحدوث ذروة في تنشيط جهازه العصبي (السمبساوي) و كذلك الهرمونات المصاحبة لذلك (Stress Hormones) و يحدث التمثيل اللاهوائي في الأعضاء الحيوية و يستخدم الجنين مخزون الطاقة الكامنة لعضلات الكبد و القلب حيث يعتمد القلب أساسا ً على طاقته من جلوز الكبد – و ما يزال الجنين يعاني من أعادة توزيع الدم على الأعضاء الحيوية و إذا أستمر الحال و وصلت الحالة إلى ذروتها تفشل كل الأعضاء و يفشل القلب والمخ و تترجم هذه الحالة على هيئة هبوط في ضربات القلب و عليه يجب توليد الجنين خلال دقائق ليتم إنقاذه .

كيف يعمل جهاز “ستان” (ST-ECG “STAN”)

هذه الطريقة ابتكرت في دولة السويد و تم تطبيقها على نطاق واسع في عدة دول أخرى – و فيها يوضع قطب تخطيط قلب الجنين ECG”” على رأس الجنين أو مقعدته حسب وضعه في الرحم (الوضع المتقدم به الجنين في قناة الولادة) و تحلل الإشارات و تنقى ثم تقيم بواسطة نظام كمبيوتر (SOFT WARE) و يتأثر جزء ال ST-segment على تخطيط رسم قلب الجنين بحساسية شديدة تجاه النقص الشديد للأكسجين لعضلة قلب الجنين وكما ذكر من قبل في حالة نقص الأكسجين يكون التمثيل اللاهوائي و تزيد نسبة حمضية الدم (Lactic acid) و كذلك عنصر البوتاسيوم الذي يسبب تغير في الجهد الكهربائي لجدار الخلايا المكونة لعضلة القلب ويظهر ذلك على التخطيط في صورة ارتفاع في مستوى ال ST- Segment – كذلك يسبب إفراز الأدرينالين و هذا بـدوره يزيد من قوة انقباض عضلة القلب و يظهر هذا على التخطيط في صورة ارتفاع ما يعرف كذلك بالموجة T .

* و عندما يؤثر نقص الأكسجين على الأنسجة الطرفية لجسم الجنين أي في حالة ال Hypoxia و هذه درجة اشد من الأولى يحدث انخفاض في مستوى ال ST-Segment -كذلك لا تستطيع عضلة القلب الاستجابة الإيجابية لهذا التغير و من الأهمية جدا ً هذه الخاصية و هي ارتفاع يتبعه انخفاض مستوى ST- Segment حيث يدل دلاله قاطعة على حرمان عضلة القلب من الدم المغذي لها و نقص حاد بالأكسجين لدى الجنين مع زيادة حمضية الدم و في هذه الحالة لا بد من التوليد الفوري للجنين .

** الاستنتاج :
أخيرا ً بإلقاء الضوء على قراءات جهاز ستان تعطي دلالات دقيقة و كبيرة لحالة الجنين و بالتالي تساعد في اتخاذ القرار الصحيح لخطة المعالجة .

أولا ً: ارتفاع موجة T يدل على رد فعل الجنين و تفاعله من نقص الأكسجين بإفراز عالي لهرمون الأدرينالين والتمثيل اللاهوائي لعضلة القلب و يستطيع الجنين ذلك أذا كان لفترة قصيرة .

ثانيا ً : الارتفاع اللحظي والمؤقت للنسبة بين (T wave QRS segment)
حيث ترتفع هذه النسبة ثم تعود إلى الوضع الطبيعي في خلال 10 دقائق و يقرأها الجهاز أذا كانت نسبة الارتفاع -0.01 – و هذه الظاهرة كالسابقة نتيجة نقص (متغير قصير المدى) للأكسجين و لكن إذا كانت مصحوبة بتغير غير مطمئن في تخطيط الجنين – CTG – فلابد من التوليد الفوري للجنين

ثالثا ً : أن تزيد النسبة بين T wave QRS segment ويستمر هذا الارتفاع ثابتا ً و لا ينخفض إلى المعدل الطبيعي السابق و يسجلها الجهاز أذا أستمر الارتفاع أكثر من 10 دقائق و أكبر من 0.50 و هذا يعني مقاومة الجنين لنقص الأكسجين و أذا لم يصاحب ذلك تغير بتخطيط الجنين”ECG”- أي أن الجنين تغلب على النقص ويمكن التوليد كما بالحالات العادية بدون خطورة و لكن أذا كان مصحوبا ً بارتفاع ثم انخفاض في مستوى St -segment و هو ما يعرف ب(Biophasicity) ويعني أن قلب الجنين لم يعد لديه مخزون و لا مقاومة للقدرة على التغلب على نقص الأكسجين الحاد و يوجد خطورة هبوط في القلب و يحدث ذلك بثلاث مستويات .

الثاني والثالث منها خاصة يستوجب التوليد الفوري حيث توجد خطورة مؤكدة و شديدة على الجنين .

تلخيصا ً : هذا الجهاز الجديد و التقنية الحديثة يمكن بواسطته التعرف على و تشخيص نقص الأكسجين لدى الأجنة مبكرا ً مما يساعد على اتخاذ قرار صائب و حكيم للتوليد فورا ً للجنين لتجنب التأثير الشديد لنقص الأكسجين الحاد و فشل أهم عضو بجسم الجنين وهو المخ و ما يترتب عليه من أعاقة دائمة للطفل – و كذلك في حالة نقص الأكسجين الحاد من زيادة حموضة الدم و ما ينتج عنه من زيادة انقباضية عضلة القلب – يكون الجهاز قادر على إظهاره عن طريق أظهار التغير في تخطيط قلب الجنين – ارتفاع في T.Wave و ارتفاع في ال T/QRS و كذلك بالتغير بالارتفاع المتوالي بالانخفاض في الـ ST-Segment (biophasicity) التي تشير إلى مراحل متأخرة و بالغة الخطورة على حياة الجنين داخل الرحم .
كذلك ساهمت هذه التقنية في تقليل نسبة العمليات القيصرية التي يعتمد القرار فيها على تخطيط القلب للجنين حيث يعطى دلالات واضحة ودقيقة لحالة الجنين داخل الرحم وعدم التداخل الجراحي إلا في الحالات التي تستدعي فقط وبدقه بالغة اكبر بمراحل مما يشير اليه تخطيط الجنين فقط الـ CTG المعروف .

نسأل الله التوفيق و البصيرة لخدمة مرضانا بما يرضي الله سبحانه وتعالى ليكونوا سعداء بأجيالهم الجديدة الذين هم إشراقه المستقبل إن شاء الله .
_______
د. أكرام أبو المجد
أخصائية النساء والولادة
بمستشفى الحمادي بالرياض

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.