المباهاة السمجة..!

 

سلمان بن محمد العمري

9 مايو 2022

من الآفات والأمراض الاجتماعية التي ابتليت بها مجتمعاتنا مؤخراً آفة التباهي ليس بين الزملاء والأصحاب والجيران بل حتى على مستوى العائلة، والبيت الواحد، وتسببت هذه الآفة في مشاكل نفسية واجتماعية على أطرافها، والمشكلة أن أطرافها إخوة وأخوات والسبب المباهاة و(التفشخر) إلى حد (التنمر) على الآخرين وأقرب الأقربين.

كانت الأخوات والقريبات في زمن الحب والتصافي يتعاونون على الخير والمعروف، والوقوف مع بعضهما البعض ولربما لجأت المرأة أو البنت إلى قريبتها وصديقتها واستعارت منها ملبسَاً أو حليَاً لتتزين به في مناسبة اجتماعية، ومن قبلهم كان الجيران يتساعدون ويتساندون في دعم بعضهم البعض عند المناسبات أو الأزمات فيتبادلون الطعام ويتهادون، ويعير بعضهم البعض ما يحتاج إليه جاره أو قريبه مما يحتاج إليه ويدفع كل منهم المطلوب بنفس راضية وبستر ولا يحرج أحدهم مشاعر الآخر.

واليوم انقلب الوضع ولم يعد التعاون قائمَاً بل أضحى التنافس والتباهي والفخر.

و»المجاكر» هو سمة الاجتماعات بين الأصحاب والجيران وحتى الأهل؛ فكل يريد أن يظهر بصورة تفوق الآخرين حتى وإن كان بالسلف والدين، ويتقمص كل شخص حياة ليست حياته تقليدًا للآخرين ومحاكاة لهم، بل وإظهار أنه بمستوى معيشي راقٍ، والضحية إما ولي الأمر أو حتى المرأة العاقلة التي تكد وتتعب وتحصد ما جمعته للزينة المزيفة، ولا شك أن إظهار أثر النعمة من المولى – عز وجل – على عباده سنة حميدة دونما إسراف ولا تبذير، ولكن الوضع الحالي تجاوز الإسراف والتبذير إلى إيذاء الآخرين بقصد أو غير قصد؛ فليست المسألة أن يظهر أحدهم أو إحداهن أثر نعمة الله عليه فحسب، بل الكل يريد أن يحسن ويجمل حاله أمام الآخرين، فيتمنى أغلى السيارات ولو بالأقساط ويلبسون أغلى الساعات وأفخم الثياب، وأدى هذا إلى مشاكل نفسية واجتماعية مثلما تسبب بها في نفس الوقت مواقع التواصل، حينما تظهر شخصيات البعض بمظاهر غير واقعية ويعتقد بعض السذج أن هذه حياتهم الطبيعية.

لقد انقطعت بعض الاجتماعات العائلية وحدثت بعض المشاكل الزوجية نتيجة ما يلاقيه بعض الأهل في هذه الاجتماعات من مضايقات وأذى نفسي واجتماعي من قبل أقاربهم، فليس الكل قادر على أن يلبس أفخم الماركات ويركب أغلى السيارات ويقتني أحدث الجوالات.

كنا نسمع قديماً بأن كثرة التباهي نقص وأنها تعويض لما يفتقده صاحبه فيجب أن يلفت انتباه الآخرين بمقتنيات ثمينة وغيرها، ولكن هذه الأيام اختلف الوضع وأصبح الجميع يتنافسون على الظهور بمظاهر براقة محاكاة للوضع العام الذي تقوده مع الأسف وسائل التواصل الاجتماعي.

إن الوضع لم يعد تطبيقًا لسنة في إظهار أثر النعمة، لقد تجاوز ذلك إلى محظورات شرعية في الإسراف والتبذير واحتقار الآخرين وازدرائهم والانتقاص منهم والتعالي عليهم، والله سبحانه وتعالى لا يحب كل مختال فخور؛ فالعجب والتكبر وحب الشهرة والمفاخرة على حساب الآخرين مذموم بوجه عام فكيف إذا ما كان على مستوى الأهل والأسرة، فكم تقطعت قلوب أناس لا يتوافر لهم تأمين الكماليات أو حتى الأساسيات وهم يرون غيرهم يلبسون ويرتدون ويركبون أشياء لا يطيقون الحصول عليها، فتتقطع قلوبهم وقلوب أبنائهم حسرة وهم يرون غيرهم يمارسون الاستعراضات الاجتماعية والإسراف والبذخ في كل مناسبة.

فعلي الجميع أن يتقوا الله في أنفسهم وفي غيرهم وليعلموا أن المال والجمال والصحة والنعمة والمنصب والجاه لا تدوم لأحد وهي متقلبة زائلة وعلى المرء أن يقابلها بالحمد والشكر وليس بالتباهي والفخر.

خاتمة: قال – صلى الله عليه وسلم – : «من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة».

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.